الثلاثاء، 29 مايو 2012

نحو معايير إسلامية للمسؤولية الاجتماعية ح1



-المسؤولية الاجتماعية :تعريفها ولمحة عن تطورها:
المسؤولية الاجتماعية هي الالتزام الطوعي من طرف الفرد أو المؤسسة بمصالح العامة أو دون تدخل من جهات خارجية ولا يبتعد تعريف الموسوعة الحرة عن هذا التعريف حيث تعرفها بأنها نظرية أخلاقية أو أيديولوجية فحواها تحمل المؤسسة أو الفرد أو الشركة أو أي منظمة المسؤولية تجاه المجتمع بصفة عامة وهي ما يقابل لفظة "الوازع" في الاستخدام العربي القديم ولفظة "الالتزام" في العصر الحديث خاصة عند الحركات الإسلامية وفي النقد الأدبي يقولون شاعر ملتزم أي غير منفلت يراعي قيم المجتمع فيما ينتج من نتاجات أدبية،كما إن لها معنيين :مسؤولية سلبية وهي تصرف الشخص تصرفا بشكل ما يجنبه اللوم والعتاب ومسؤولية إيجابية تجلب له المدح ورضا الناس، وقد توسع مجال استخدامها لتشمل كل الحرف والمناشط التي يقوم بها الإنسان في هذا المجتمع بشكل يبعث على الرضا من طرف الجمهور أو الناس بصفة عامة،وتنقسم أيضا من هذه الزاوية إلى قسمين:
مسؤولية اجتماعية عامة:وهي التي يتحملها الفرد تجاه مجتمعه ووطنه وأمته بغض النظر عن العمل الذي يقوم به.
مسؤولية اجتماعية خاصة وهي التي تتعلق بمجال واحد من المجالات وهذه أنواع:
أولا:-مسؤولية اجتماعية للشركات Corporate social responsibility(CSR)،وهذا المصطلح ظهر في الأدبيات الاقتصادية في القرن العشرين إلا أن ممارسته بالشكل الحالي ترجع إلى القرن الثامن عشر ففي سنة 1790 عمد سكان انجلترا إلى مقاطعة استهلاك مادة السكر التي كانت تصدر إليهم من طرف حكومتهم من الهند بتسخير "الرقيق الكاريبي" وكذا البنغالي مما اضطر الشركات التي تقوم بذلك بالاستعاضة عن العبيد بالعمال العاديين،كما قامت شركة كادبيري في سنة 1800 في بريطانيا ببناء سكنات لعمالها وتجهيزها بكل المستلزمات كما بنت مدارس لأبناء عمال تلك الشركة ثم حذت حذوها شركات أخرى كشركة"طاطا" المعروفة وشركة "جيناس" الإيرلندي وشركة "هيرشي" في الولايات المتحدة[1] ،ومن هنا بدأ تطور هذا الأمر حتى دخل في مرحلة أخرى وهي مرحلة ظهور كثرة الإلزامات خارج القانون حيث أصبحت الأخلاق والدين والسمعة تلعب دورا كبيرا في حمل الشركات على تقديم الخدمات المختلفة وتمويل أنشطة كثيرة تعود فائدتها المباشرة للمجتمع[2]،ثم تحددت معايير قياس مدى المسؤولية الاجتماعية بالنظر إلى ثلاث قضايا وهي:
1-المعاملة الأخلاقية للعمال أي مراعاة الجانب الأخلاقي في اتخاذ القرارات التي تتعلق بأحوال العمال بحيث تكون شفافة وعادلة ليس لأنها أمر يوجبه القانون وإنما لأنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله[3].
2-العمل الخيري Philanthropy وهذا هو المعيار الثاني ومعناه البسيط هو مشاركة الناس والمجتمع في الثروة التي تجنيها الشركة أو المنشأة.
3-الشراكة الاجتماعية وهي تصور أن ما تقوم به الشركة هو في الحقيقة تحقيق لبعض ما تطمح وتصبو إليه الطبقة الأقل حظا والأقل قوة في المجتمع[4].
ثم استمر المنظرون في إضافة المعايير تباعا حتى وصلت إلى عشرة معايير إلا أن هذه المعايير الثلاثة لم تكن أمورا مبدئية مقصودة في ذاتها وإنما كانت نوعا من الخروج على المألوف والمعتاد وتشكل استثناء إذ أن الجموح نحو الربح لم يجعل لهذا المعنى مجالا في مخيلة رجال الأعمال إلا في مراحل متأخرة ومن ثم تبلور مفهوم المسؤولية الاجتماعية وبدأت تظهر مؤسسات وتشريعات وسياسات من أجل تطويره وتدعيمه.
ثانيا:مسؤولية اجتماعية بيئية:وهذه تستخدم حديثا وقد فرضت من طرف أحزاب أو أنصار البيئة وأصبحت البيئة قرينة بالمجتمع في الاستخدام وتسمى اختصاراCSER كما ورد في تقرير المعهد الألماني للتنمية.
ثالثا:المسؤولية الاجتماعية للأعمال والتجارةCRBوهي تطلق ويقصد بها مجموع الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها ويلتزم بها مديرو وممارسوا الأعمال.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية:
 المسؤولية الاجتماعية هو مفهوم تبلور بخصوص  المنظمات التي تشجع على النظر في مصالح المجتمع من خلال تحمل المسؤولية عن تأثير أنشطه المنظمة على الزبائن والموظفين والمساهمين والمجتمعات والبيئة في جميع جوانب عملياتهاهذا الالتزام يعتبر التزامات قانونيه ملزمة بالامتثال لأحكام التشريعات وترى المنظمات طوعا اتخاذ المزيد من الخطوات لتحسين نوعية الحياة للعاملين وأسرهم فضلا عن المجتمع المحلي والمجتمع ككل. وهي المشاركة المنظمة والمستدامة من الشركات في التنمية والتطوير الشامل للمجتمعات في مسارات متعددة وبجهد متساو قدر الإمكان[5].
المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، والمعروفة أيضا بمسؤولية الشركات، ومواطنة الشركات، العمل المسؤول، العمل المسؤول المستمر (SRB)، أو أداء المؤسسات الاجتماعية،  المسؤولية الاجتماعية والبيئية وهو شكل من أشكال انفتاح الشركات على المجتمع بشكل انتظامي تم إدماجها في نموذج الأعمال التجارية. ومن الناحية المثالية، فإن سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركات تعد بمثابة آلية للتنظيم الذاتي التي يمكن من خلالها العمل الذي من شأنه رصد وضمان التزامها بالقانون والمعايير الأخلاقية والدولية و القواعد المتعارف عليها. ورجال الأعمال من شأنهم تبني المسؤولية عن طريق تأثير أنشطتهم على البيئة والمستهلكين والعاملين، والمجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة وجميع الأعضاء الآخرين في المجال العام. وعلاوة على ذلك، فإن الأعمال تكون مبادرات لتعزيز المصلحة العامة  وذلك عن طريق تشجيع نمو وتطور المجتمع طوعا للقضاء على الممارسات التي تضر بالمجتمع العام  كالبيئة والصحة وسواها ، بغض النظر عن شرعيتها من عدمها[6].
كما تذهب المفوضية الأوربية بأن المسؤولية الاجتماعية :"مفهوم تقوم في ضوئه الشركات والمؤسسات بإدماج الاهتمام بالمجتمع والبيئة ضمن عملياتها ووظائفها التجارية في تعاملها مع المتعاونين معها وزبائنها على أساس طوعي"[7] ،
كما يذهب الأكاديميون إلى أنها:"العمليات التي تقوم بها المنشآت لمصلحة المجتمع متجاوزة السقف القانوني وبعيدا عن اعتبار مصلحة المنشأة المحضة بالدرجة الأولى دائما"[8] ،كما يؤكد هذا المفهوم  الدكتور هاني الجبير مشيرا على دورها ووظيفتها بقوله:" إسهام رجال الأعمال في الأعمال الاجتماعية والتطوعية والقيام بدور بارز حيال رعاية المجتمع بأفراده وبيئته، وكان انطلاق ذلك من دعوات وجَّهها الأمين العام للأمم المتحدة، لتقوم قِطاعات الأعمال بدورها في مجالات حقوق الإنسان والعمل والبيئة؛ لتكون جزءاً من الحل في مواجهة تحديات العولمة[9]."

وبناء على ما سبق فالالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يقضي بأن أي منشأة يجب أن لا تكتفي باستغلال الموارد المتاحة لها بما يخدم أهدافها الاقتصادية فقط، بل إن مسؤوليتها تمتد إلى مواجهة المتطلبات الاجتماعية، والتي تؤدي لاكتساب ثقة الجمهور ورضا المستهلكين، وهو ما يساعد في خدمة أهداف المنشأة الاقتصادية[10].
هذا هو مفهوم المسؤولية الاجتماعية كما هو مطور في الفكر الغربي السائد حاليا سواء من حيث التعريف أو الدور والوظيفة والتطور التاريخي  الموجز بما يمكننا من تصوره تصورا يجعلنا نقوم بنقده وإضافة مايجب إضافته حتى يكتمل المفهوم خاصة ونحن نملك الوحي مصدرا للمعرفة المعيارية بما يتيح للمفهوم أن يكون فعالا عندما ينقل إلى بيئتنا الثقافية الإسلامية في جذورها وعمومها على حد سواء.


[1] -ISO Advisory Group on Social Responsibility: working report on social responsibility ,p2.
[2] -Ibid.p2                                       
[3] -ibid
[4] -Ibid
[5] -هذا التعريف أوردته الموسوعة الحرة http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%
[6] -المرجع السابق
[7] -European Commission: 2001 “Promoting a European framework for corporate social responsibility”. Green Paper, 264 Final, Brussels, Belgium.
[8] -McWilliams, A. and Siegel, D.: 2001, “Corporate social responsibility: A theory of the firm perspective”, Academy of Management Review,p 26.
[9] -هاني بن عبد الله الجبير:المسؤولية الاجتماعية للشركات في المفهوم الإسلامي  على http://www.4mukla.com/vb/t85943.html.
[10] -المرجع السابق.

هناك تعليق واحد:

  1. بورك فيكم يا دكتور...متشوقون لمتابعة باقي الدراسة...

    ردحذف