الجمعة، 30 مارس 2012

تأصيل القيم العالمية الكبرى عند الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور -الحلقة 1 د.صحراوي مقلاتي


مقدمة في موقع القيم في الرؤية الكونية وأهميتها:

هناك ثلاث رؤى كونية تتنازع الوعي البشري وهي:
1-الرؤية الكونية الدينية وهذه أقدمها وأقواها في السيطرة على تصورات البشر.
2-الرؤية الكونية الفلسفية وهذه غير دائمة الاستقرار ويطالها التغير بسرعة.
3-الرؤية الكونية العلمية وهذه أيضا متغيرة ولكن تغيرها بطيء مقارنة بالثانية ولكنها قاصرة مقارنة بالأولى فهي لا تفسر كل شيء مهما ادعت الاتساع.
وتعرف الرؤية الكونية حسب الدكتور ملكاوي  بأنها "الإطار العام الذي نفهم به كل شيء ونفهم أنفسنا أيضا"[1]،وحسب الدكتور أبي سليمان بأنها:"المبادئ والجذور التي تنبثق منها المفاهيم والقيم وتحدد طبيعتها وتمثل مرجعيتها والغايات والمقاصد التي تعمل على تجسيدها وتضبط استخداماتها ومخرجاتها"[2] ويورد عمر شابرا تعريفا لها في كتابه"نحو نظام نقدي عادل:"بأنها مجموعة المسلمات والأفكار الظاهر منها والخفي التي يحملها الذهن تجاه أصل الكون والحياة ومصير الإنسان"[3] والرؤية الكونية كما تعطي التفسير للقضايا الكلية وتجيب على الأسئلة النهائية فهي كذلك تعطي كيفيات تفصيلية في مجال السلوك، وللرؤية الكونية عادة خاصيتان هما المقدرة التفسيرية والقدرة على ضبط السلوك بإيصال الإنسان إلى الالتزام وهذا الشق الثاني هو الذي يعتبر قيمة أو قيما إذ يلعب دور المعيار وعليه فتعريف القيمة نظريا هي المبادئ العامة التي تشكل معيارا ومرجعا للسلوك وأما إجرائيا كما عند علماء الاجتماع فهي "كل فكرة يتمحور حولها السلوك سلبيا كان أم إيجابيا" ويقرر أبو سليمان أن "كل اختلال في بنية الرؤية الكونية والمنهجية المنبثقة عنها أو في كليهما يؤدي بالأمة إلى السلبية الحضارية...والانحطاط والتخلف"[4]،وبالتالي فإن المعمار الذهني الذي يشكل وعينا Mind set هو انعكاس للواقع الموضوعي الذي نعيشه سواء صنعناه بأنفسنا أم صنعه غيرنا والعملية أشبه ما تكون بالمقابلة التي يجريها علماء اجتماع المعرفة بين الأنساق المعرفية والسياقات الاجتماعية،والقيم تعتبر هي الأوتاد التي تنشدّ إليها السلوكات وتتمحور حولها التصورات وعلى ضوئها يتغير الواقع أو لا يتغير وإذا تغير يتغير إلى سيء أم إلى حسن وقد يكون سريعا وقد يكون بطيئا ومن هنا فإن القيم هي حجر الزاوية في كل بناء معرفي وحضاري على حد سواء وهي التي تشكل الجانب المعياري لما يسمى بالنسق المعرفي القياسي الإسلامي كما اصطلحت عليه الدكتورة منى أبو الفضل رحمها الله.

لماذا علم القيم أو فلسفة القيم؟
عند تأملنا لمجمل المتغيرات التي تحدث من حولنا سواء كانت في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي نجد أن هناك مخاضا كونيا تمر به البشرية اليوم وهذا الأمر يقر به الجميع في كل المستويات وليس المثقفون فقط فعند متابعتنا لما حدث في غزة مؤخرا نجد هناك صراع قيم حيث نجد أن رئيس الوزراء البريطاني السابق ومباشرة بعد مغادرة رئيس الوزراء التركي منصة ندوة دافوس يعلق في قناة البي بي سي الإنجليزية بقوله:"إننا نشهد تحولا عالميا في القيم التي تحكم العلاقات الدولية ويجب أن نتصرف بسرعة وبوعي" ومن هنا بات لزاما علينا نحن المسلمين أن نستدعيها للبحث والمناقشة حتى لا يعاد صياغة المشهد العالمي في جوانبه المختلفة ونحن غائبون "[5] ،والمسلمون هم أكثر الناس اليوم سفكت دماؤهم وانتهكت أعراضهم ونهبت ثرواتهم وسلبت أراضيهم واستبيحت حماهم بسبب ازدواج القيم في المؤسسات العالمية السياسية وغير السياسية للغياب الفكري والسبات الثقافي الذي نحياه اليوم والعجز الاقتصادي والضعف العسكري والهوان النفسي كل هذا يدعونا لأن نطرح مفاهيمنا بشكل مؤصل ونستدعيها على ساحة النزال الفكري والثقافي وتأتي قيمنا على رأس هذه المفاهيم.                                                                                                                   
أهمية الموضوع:
يقسم أهل الفلسفة مجالهم هذا إلى ثلاث قضايا وهي قضايا الوجود "الانطولوجيا" وقضايا المعرفة"الإبستومولوجيا" وقضايا القيم"الأكسيولوجيا" وفلسفة القيم هي فلسفة جد عصرية لأنها لم تظهر كفلسفة لها منهج ومشاكل إلا في بداية القرن الماضي أو قبله بقليل كما يقول الدكتور الربيع ميمون[6] .
ولقد كان الفلاسفة القدامى في العصور السابقة يهتمون بالقيم ضمن ما يهتمون به ولكن طرق معالجتهم لها والمشاكل التي كانت تستوقفهم منها كانت من نوع آخر لأنهم كانوا يجعلون القيمة تابعة للوجود ويعتبرون حل مشاكله هي حل لمشاكلها[7]،ثم استقلت القيم بمباحثها المختلفة وبمقاربات شتى فهناك من جعلها تابعة للدين وتستمد منه وهناك من جعلها منفصلة عنه تماما أي أنها تحولت إلى قيم وضعية وهناك من خلط الأمرين معا وهذا كله في الفكر الغربي بل ووصل الأمر إلى تحويل القيم إلى مجرد أخلاقيات"change values to ethics" أي أن القيم لم تصبح نقاط مرجعية خارجة عن البنية والنظام والسلوك الفني والاحترافي وإنما هناك قيم يفرزها الاحتراف كأخلاقيات المهنة الطبية والمهنة الاتصالية تكون مرجعيتها من داخل النسق الحرفي ذاته ونشهد اليوم النتائج الفضيعة لهذا التوجه في الحروب وفي النظر إلى الأسرة وإلى الاستهلاك فأصبحنا نسمع كلمات ومصطلحات مثل "الإفراط"proprtional  في استخدام القوة و"الإفراط" في الاستهلاك[8]،ومن هنا أضاع الغرب مرجعية القيم فضاعت القيم ذاتها.
وهذه كلها مسوغات طرح موضوعنا إعادة تأصيل القيم في فكرنا الإسلامي المعاصر والشيخ ابن عاشور يمثل نموذجا رائدا من بين من تصدى لمعالجة قضايا القيم وقضايا التجديد المعاصر بصفة عامة.

حدود البحث:
ونحن في هذه الورقة سنقوم بمعالجة ثلاث قيم وهي:
-       قيمة الحرية
-       وقيمة العدل والمساواة
-       وقيمة التسامح
 وإن كان هناك كثير من القيم كالإنسان وقيمة المعرفة وقيمة كرامة الإنسان أو العرض كما تسمى عند الأصوليين وقيمة الأمن وقيمة الأمة وقيمة السلام والحوار ولكن نكتفي بالثلاثة المذكورة أعلاه لتشابك قضاياها وهي تعتبر أكثر المفاهيم التي يثار حولها النقاش اليوم.  يتبع......بحول  الله البحث منشور في الكتاب أدناه
  الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر
        • تحرير: فتحي حسن ملكاوي
تدورُ بحوثُ هذا الكتاب حول "سفير الدعوة الإصلاحية في تونس" الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، وتضمّنت فصولهُ مجموعةً من الدراسات المنهجية لجهوده في الإصلاح والتجديد، في محاولة للإجابة عن أسئلة عديدة، تختصُّ بسمات المنهج الإصلاحي عند ابن عاشور، والأبعادِ المنهجية لتراثه الفكري، والقضايا الرئيسة التي وجهّت تفكيرَه ودارت حولها تآليفُه وكتاباتُه، والإضاءات التي يمكن لهذه الكتابات أن تقدِّمها للعقل المسلم المعاصر، وهموم النهوض الحضاري الإسلامي المنشود.
وقد كشفت هذه البحوثُ عن جوانب مهمّة في مسارات الاجتهاد والتجديد الذي مارسه ابن عاشور، ولا سيّما في مجال بيان القرآن الكريم وعلومه وتفسيره، وتأصيل المنحى المقاصدي في الفقه وأصوله، والتحليل النقدي للممارسات التعليمية والتربوية. وشملت هذه البحوثُ قراءةً في مجمل كتابات الشيخ ابن عاشور، إضافةً إلى مجمل الكتابات التي تناوَلتْهُ بالبحث والدراسة، مما جعل الكتاب مرجعاً شاملاً يُغني عن كثير من الكتب الأخرى في موضوعه.
وقد شارك في إعداد بحوث الكتاب ومناقشتها وتطويرها أكثرُ من أربعين عالماً من علماء الأمة، من أقطار عديدة، فجاء هذا الجهد الجماعي إنجازاً متميزاً يستحقُ القراءة
.



[1] -ملكاوي ،حسن."رؤية العالم والعلوم الاجتماعية"،مجلة إسلامية المعرفة. عدد 42-43(خريف2005)ص57.
[2] -أبو سليمان ،عبد الحميد.الرؤية الكونية القرآنية الحضارية.فرجينيا:المعهد العالمي للفكر الإسلامي، نسخة إلكترونية، 2008، ص19
[3]- شابرا، عمر.نحو نظام نقدي عادل.المعهد العالمي للفكر الإسلامي ودار البشير،الأردن،1990،ص31
[4]- المرجع سابق ص.18
[5]- وهنا ننوه بالمقالة التي طرحها الدكتور فتحي الملكاوي في العدد الأخير من إسلامية المعرفة "التأصيل الإسلامي لمفهوم القيم "وقد تصدى لكثير من معضلات القيم الحديثة لنسبية القيم وإطلاقيتها وازدواجية القيم ومرجعيتها وأشار إلى اضطراب الفكر الغربي بهذا الصدد مما يعطينا مبررا معرفيا لإعادة طرح الموضوع بجدية في الفكر الإسلامي.
-[6] انظر: ميمون، الربيع. نظرية القيم في الفكر المعاصر بين النسبية والمطلقية. الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،1980، ص16.
[7]- المرجع السابق ص16.
[8] -وهنا يحضرنا مثال اعتراض BBC على الجزيرة لماذا يجعلون المشاهدين يشاهدون صور الأطفال القتلى في قانة 2006 وفي غزة 2008  لأن ذلك يصدم شعور المشاهد بينما الذي قتل ليس له حرمة فرب عذر أقبح من ذنب.

الخميس، 8 مارس 2012

تعزيز الهوية الوطنية بمقاربة العلاقات العامة

ورقة مقدمة إلى الملتقى الوطني الأول
"كيف نبني منظومة إعلامية تحافظ على الهوية الوطنية وتساهم في بناء التنمية الاقتصادية"

تحت شعار
"لنحافظ على هوية الأجيال"
ايام 10-11 ماي 2009-

بجامعة الحاج لخضر –باتنة

إعداد الدكتور صحراوي مقلاتي
أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة.





مقدمة

أصبحت الهوية الوطنية من القضايا المطروحة على بساط البحث والمدارسة والمعالجة في مختلف دوائر صناعة الرأي والقرار في العالم وخاصة بعد ظهور متغير العولمة ،وأصبح العالم فضاء موحدا تتسابق الناس والامم من أجل احتلال مكان ومكانة فيه ،ليس الدول التي تسمى نامية فقط ولا المتطورة ولا التي في طريقها إلى النمو وإنما ذلك أصبح هاجس جميع الأمم قويها وضعيفها وأصبح الذين يمارسون الهيمنة والسيطرة ايضا من الخائفين والمتوجسين من العولمات المختلفة ذلك أن لكل ثقافة وحضارة نقاط ضعف بمثابة ثغرات في الشخصية وتخشى من أفراد مجتمعاتها أن تتبناها وتعتنقها مما زاد الأمر تعقيدا أمام الساهرين على صناعة القرار ومخططي السياسات التنموية في المجال الثقافي والسياسي ، ومن تلك الدول التي اصبح يؤرقها شأن الهوية اليوم هي الجزائر،وهذا بسبب الأطروحات الجزئية لقضية الهوية التي نتج عنها التجزيء وربما الصراع وإذا أردنا أن نخفف من وقع التعبير فنقول "عدم الاستقرار" ويبدو ان الأمر يحتاج إلى نوع من المقاربات الشاملة أو على الأقل الاستراتجيات التكاملية ولما كان الأمر يتعلق بدور الإعلام فإن العلاقات العامة هي الاستراتيجية التي تتسم بالتكامل  وهذا سبب اختيارنا لهذه المقاربة.

مدخل مفاهيمي وتاريخي
الهوية: مصطلح قفز إلى الوجود السياسي والثقافي مع بزوغ الحضارة الغربية  بمعناه المتداول اليوم فالعرب كانت تنتسب إلى القبائل فإذا سئل شخص مجهول عن هويته يقال له :انتسب،فيبادر إلى ذكر اسمه واسم أبيه وجده ثم قبيلته أي جده الأكبر وقد ينتسب إلى المكان أو الموطن والوطن وسجل لنا الشعر الذي يسمى ديوان العرب"الحنين إلى الأوطان" ولم يسجل الاعتزاز بالأوطان وإنما كان هناك الافتخار بالأنساب إذ لا مزية للمكان وإنما العبرة بما تصنعه الرجال من المآثر والبطولات على صفخات التاريخ فكان الولاء والانتماء يغني عنه النسب الشريف الصافي النقي ولم يظهر أمر الولاء إلا بظهور النظم السياسية الملكية أو غيرها ولكن لم يكن هناك تداخل بين السياسي والثقافي كما هو اليوم.
وكلمة الهوية ماخوذة من ضمير الغائب"هو" وهو من المقولات العشر عند المناطقة ،التي تطلق لتمييز الماهية عن غيرها فطلق كلمة هو وتعني هو هو أي ليس غيره.
وقد لاحظ الأستاذ مولود قاسم رحمه الله غرابة هذا التعبير الذي لا يتوافق مع قوانين  التداول العربي الإسلامي الذي يمتاز بالوضوح والبيان فكيف يعبر عن المعين المشخص الحاضر المعروف الماثل أمام الناس عن نفسه  بضمير الغائب واخترع مصطلح"الإنية" المأخوذ من ضمير المتكلم المعبر عن نفسه المعروف لدى سامعيه وناظريه وهو"أنا" ويزيده الشيخ الإبراهيمي عمقا عندما يقول"أنا" ولا أقول :"أعوذ بالله من كلمة أنا" خلافا لما درج عليه المتحدثون المسلمون ورعا وتزهدا.

الهوية الجزائرية تولد من رحم المعاناة:
لم تصب أي امة من الأمم لهزات في هويتها مثلما تعرضت الجزائر حيث إن المشروع الاستعماري الفرنسي عهد إلى كيان الأمة ومقوماتها فحطمها فقد حطم أول الأمر الكيان السياسي للدولة الجزائرية ثم في المراحل الأخرى استكمل باقي البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وعلى هذا الأساس قامت الحركة الوطنية التي هي امتداد طبيعي لكل حركات المقاومة عبر تاريخ التواجد الاستعماري فوق هذه الأرض وحتى بعد الاستقلال استمرت حملات التشكيك في وجود دولة جزائرية، مما حدا بالأستاذ مولود قاسم رحمه الله أن ينبري لكل هذه الحملات في كتاب "شخصية الجزائر الدولية عبر التاريخ" الذي طبع في مجلدين ولكن قبل ذلك كانت هوية الجزائر تمثلها تلك العناصر الثلاثة الطاردة لكل دخيل وغريب "الإسلام والعربية والجزائر" والتي كانت تتمحور حولها الكتابات والجهود التربوية والثقافية والسياسية والنضالات المختلفة على امتداد الطيف الأيديولوجي للمجتمع الجزائري وإن اختلفت العبارات لكن كلهم اتفقوا على أن هذه المكونات الثلاث هي التي  تفاعلت ومعها مكون الأمازيغية لتشكل ما يعرف بالهوية وهي:"اسم الكيان أو الوجود على حاله،أي وجود الشخص أو الشعب أو الأمة كما هي بناء على مقومات ومواصفات وخصائص معينة تمكن من إدراك صاحب الهوية بعينه دون اشتباه مع أمثاله من الأشباه،والمسألة في هذه القضية تتعلق بنوعية تلك المواصفات والمقومات والخصائص "[1]
وهناك مصطلحات من كتاب مختلفين كمصطلح القومية ومصطلح الأمة ومصطلح الدولة القومية أو الوطنية أو الخصوصية الثقافية ،وفي حقيقة الأمر فإن مقاربات المغرب العربي بخصوص الهوية فيه بعض الفروق عن المشرق العربي  التي يجب أن تراعى ذلك أن تجربة المغرب العربي بنيت على ضوء الصراع مع الآخر الاستيطاني الغربي فتماسك عناصر الهوية هنا أكثر بكثير منه في المشرق العربي بسبب إن تلك الهويات تأسست على أنقاض النضال ضد الدولة العثمانية المسلمة وبالتالي النفس القومي بالمعنى العرقي والطائفي بالمعنى الديني والمذهبي حاضر بشكل ملفت وقد يكون متطرفا كما في حالتي العراق ولبنان،بينما تختفي هذه في بلاد المغرب العربي إلى حد ما ليتوجه الجهد إلى الوقوف ضد الآخر الذي يتخذ من هذه المكونات متكأ لتفريق وتفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي ومن ثم الأمة بكاملها وفق منظور "فرق تسد".
إن الهوية هويتان هوية طبيعية وهي مجموع العناصر الأساسية التي تفاعلت ودخلت بمجموعة بشرية ما إلى مسرح التاريخ وغالبا ما تكون العناصر اللغة والدين والأرض والبشر .
وهوية مكتسبة وهي مجموع المنجزات التي تنجزها الأمة أو الفرد لتصبح له نعتا فيما بعد وهو الحد الزائد على الأمر الطبيعي فأمريكا عناصر هويتها الطبيعية هي المكان والدين واللغة والشعب ولكن هويتها المكتسبة هي "القوة العظمى في العالم" فهذا النعت الثاني اكتسبته من خلال العمل الدؤوب وتضحيات أبنائها كما يكتسب الشخص درجة علمية أو لقبا مهنيا ما فيصبح ينعت به كما يقال فلان الطبيب أو الوزير وهكذا ،والمعنى الثاني هو محك العمل ومؤشر الوجود التاريخي لأمة ما وإذا فقدته أصبحت لا يؤبه بها بل قد تصبح محل أطماع الآخرين الأقوياء .

العلاقات العامة:
العلاقات العامة من الصيغ التكاملية التي ظهرت في مجال الإعلام تراعي الجوانب الإدارية والتخطيطية في قضية الإتصال بصفة عامة وهي فرع علمي أمريكي بامتياز تتمحور حول مبدأ"تحسين الصورة" صورة الداخل"المؤسسة" في أعين الخارج-بيئة المؤسسة- وكثر فيها التنظير والمقاربات فتورد موسوعة العلاقات العامة العالمية أكثر من 57 نظرية ونموذج[2] ،وكل هذه تصلح أن يستفاد منها في تدعيم وتعزيز القيم الوطنية في الشباب لأن الذين صنعوا التاريخ يكفيهم اعتزازا أنهم صناعوه وأما الذين لم يصنعوه فمهمة الدولة ومؤسسات المجتمع أن تورث فيهم هذا الاعتزاز والانتماء باستخدام المناهج العلمية لأن مقاييس التقدير ومؤشرات قياس مدى الانتماء تتغير من جيل إلى جيل والعمل من خلال الاتصال التنموي الذي يعتبر من التطبيقات المعاصرة لنظرية الإتصال وذلك بتحويل محتوى الهوية الوطنية إلى رسالة والمجتمع إلى مرسل إليه أي متلقي وأما وسيلة الاتصال فهنا تدخل العلاقات العامة التي تختار الوسيلة المناسبة فقد لا تكون  فقرات إعلامية ولكن يمكن أن تكون مفردة في مناهج التعليم وقدتكون إعانة خيرية أو منجز حضاري أو أنشودة بخصوص قضية ما وهكذا دواليك .
والعلاقات العامة بوصفها "هندسة اللطافة" فهي تمتاز بالتخطيط المحكم والتصميم الذكي لمراحل التغيير والجمالية العالية للرسالة والأخلاقية الخلاقة في التواصل الإنساني.

استراتيجيات العلاقات العامة   
يمكن أن نستعين باستراتيجيات متعددة في تعزيز القيم الوطنية خاصة في أيجاد البعد التنموي الذي يجعل من المجتمع الجزائري رقما صعبا في عالم التكتلات الاقتصادية والأحلاف السياسية  ومن هذه الاستراتيجيات ما يلي :

1-استراتيجية الاتصال التنموي بالمشاركة:

لقد أكدنا على أن الاستعانة بالاتصال التنموي بالمشاركة يتطلب من الباحثين والعاملين بالتنمية تغيير اتجاههم،  وبشكل تقليدي فإن الطريقة التي قام العديد من الباحثين والعاملين بالتنمية باتباعها هي تحديد مشكلة ما في مجتمع وتجريب الحلول بالتعاون مع أفراد هذا المجتمع،  ومن منظور الاتصال فإن الاتجاه يقوم على إعلام وزيادة إحساس الأفراد بكلٍ من الجوانب العديدة لهذه المشكلة والحلول التي ينبغي تنفيذها.
والعمل من خلال الاتصال التنموي بالمشاركة يتضمن تحديد المشكلة واكتشاف جوانبها العديدة مع المجتمع المحلي وليس مع الأفراد المحليين فقط، وهو يعنى أيضاً تبادل المعلومات التقليدية والحديثة المتعلقة بالحلول الممكنة وتطوير العملية التي سوف يتم من خلالها وضع تصميم التجريب بالمشاركة الإيجابية من جانب المستخدمين النهائيين،  وهذه هي العملية التي سنقوم بالتخطيط لها وتطويرها.
ونؤكد مرة أخرى أن الطريقة التي نعرضها هنا يمكن الاستعانة بها كنقطة مرجعية فقط ولكن يجب تكييفها لتلائم إطار البلد السياسي والثقافي  الخاص،  وهي تمثل عملية منطقية تعتمد على التآلف المسبق مع الأوضاع المحلية والتي تبدأ بمعرفة احتياجات التنمية في المجتمع وإشراك المعنيين في تناول هذه الموضوعات وذلك جنباً إلى جنب مع دعم ومصاحبة هذه العملية بالمشاركة.
والمؤسسات السياسية تقوم بجهد مشكور في هذا الإتجاه ولكن بالنظر إلى عمق الأزمة نرى أن الطريق لا يزال طويلا وشاقا.

2-استراتجية التفاعلية الرمزية:
وهذه تعتمد على آليات وتقنيات مختلفة المراحل والأدوار ويمكن الاعتماد عليها في غرس القيم الوطنية في الناشئة وذلك من خلال تطوير شعارات مثل"علم في كل بيت" ولماذا لا يكون مثل النمط المريكي إذ أنك تجد العلم الأمريكي في كل فلم وفي كل برنامج تلفزيزني حتى ان ممثلا لو رمي به في قعر المحيط لوجد هناك علما امريكيا أما تحت الأنفاق وفي الأزقة وغيرها فحدث ولا حرج[3]،كما نجد أن بعض القنوات مثل قنوات الإمارات والقنوات الماليزية تعمد إلى كتابة بعض الشعارات مثل:"إماراتي وافتخر" و"Proud to be a Malaysian" أي أفتخر لكوني ماليزيا وشبيه بهذا ما قاله مفدي زكريا في إلياذته
 ولولا العقيدة تملأ قلبي   ما كنت أومن إلا بشعبي
وذكر الجزائر بانها بسمة الرب في أرضه فهذه يجب ان تجد مكانها في التسويق الإعلامي الوطني والدولي والجواري على حد سواء

3-استراتيجية الاستمالات العاطفية

وهذه الاستراتيجية ظهرت مع ظهور الذكاء العاطفي وتطبيقاته الواسعة في مجال إدارة الأعمال حيث اصبح فن التواصل اللطيف يعمل كالسحر في التسويق حتى اصبح يحكم لغة الدبلوماسية والخطابات السياسية وهي إظهار التعاطف مع الزبون او صاحب المصلحة وما أخوجنا نحن اليوم في الجزائر إلى أن نهجر الغلظة والفضاضة في معاملاتنا خاصة في الإدارات وعند حواجز الشرطة بل ولا تخلوا المساجد والجامعات من الخطاب والمعاملة العنيفة مما يويئس الضعيف في أن ينال حقه أو مصلحة هو أحق بها واعتقد انه قد آن الأوان لإطلاق برامج تدريبية على المعاملة الحسنة  في مؤسساتنا لأن ذلك من مقومات ديننا إنه يحز في النفس عندما تزور بلادا أقل شأنا من بلادنا ولكن تجد الأخلاق الحسنة والأخلاقيات المثالية في التعامل رغم إدراكنا أنها أخلاقيات تجارية وليست لوجه الله وإنما هي ابتزازية وهذه هي الأسرار الكبرى في قنوط الشعب الجزائر وخاصة فئة الشباب حيث يلجئون إلى "الحرقة" مثلا أو الانتحار وكثير منهم يمتدح بلاد الآخرين بينما يشتم بلده  اعلم أن هناك برامج تلفزيزنية كثيرة وإذاعية ولكن ليست بالقدر الكافي الذي يحدث نقلة في سلوك الناس ويجعلهم يحرصون على البقاء والتشبث بالوطن كمكسب لا يمكن أن يعوض.

 
4-استراتيجية نظرية تقليل الشكوك وعدم اليقين

هذه النظرية تنفع في استعادة الثقة لدى الشباب الخائف من المستقبل ويخاف من البطالة أو كان مشتغلا يخشى من عدم وجود المقابل المكافيء للجهد المبذول وبالتالي يحجم عن اتخاذ القرارات التي تضعه في طريق حل مشاكله كالزواج الذي يقتضي وجود سكن وراتب قار وكذلك وجود سيارة وغيرها ومن هنا لا بد من الالتزام الأخلاقي طويل المدى وعدم تواطؤ الإعلام في التسويق لأصحاب الوعود الكاذبة وإنما يجب أن ينحاز إلى الحقيقة لأن الإعلام بشكل ما يشكل أحد محاضن التنشئة الاجتماعية والسياسية كالمدرسة والبيت بل وأخطر ،فالإنجازات هي أهم رسالة إعلامية تعزز القيم الوطنية والاعتزاز بالوطن والاستعداد من أجل خدمته والتضحية من أجله وهو سيد الاستراتيجيات كلها[4].
إن الاستراتيجيات كثيرة جدا ويمكن الجمع بين عدة استراتيجيات والخروج برزنامة إعلامية وتخطيطية متوسطة المدى وطويلة المدي لتعزيز قيم الوطنية في الناشئة والشباب


[1] -ابن نعمان،أحمد:الهوية الوطنية-الحقائق والمغالطات،شركة دار الأمة للطباعة والنشر
Encyclopedia of public relations. Robert l.heath; 2005, university of Huston Press.
[3] -قد اشار معالي وزير الاتصال إلى هذا في مداخلته بخصوص الهوية في افتتاح أعمال هذا الملتقى.
[4] -ينظر إلى انتصار فريق كرة القدم الجزائري على نظيره المصري وهو إنجاز عابر ولكن أغنانا عن 1000 محاضرة في الوطنية.