الثلاثاء، 21 أبريل 2015



توصيات منتدى فقه الاقتصاد الاسلامى بدبى
Abdelkarim Guendouz
توصيات منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي بدبي الذي اختتمت فعالياته يوم الثلاثاء 24 مارس 2015م واستمر على مدار ثلاثة أيام عددا من التوصيات التي سيسعى إلى أن تكون ملزمة في المؤسسات المالية الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.
بعد البحث والنقاش خلال إقامة المنتدى في أيامه، خرج المنتدى بتوصيات مهمة لخدمة الاقتصاد الإسلامي، حيث انتهى إلى ما يلي:
1.
ضرورة تفعيل المادة رقم (5) من القانون الاتحادي رقم (6) لعام 1985م، بشأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية، والتي تنص على تشكيل هيئة عليا شرعية تتولى الرقابة العليا على المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية.
2.
ضرورة تفعيل توصية مجمع الفقه الإسلامي الدولي في ندوة "مشاكل البنوك الإسلامية" عام 1413هـ/ 1993م بضرورة "الإسراع في إيجاد المؤشر المقبول إسلامياً" (مؤشر الربحية) ليكون بديلاً عن مؤشر الفائدة الربوية في المعاملات.
3.
التوصية بإضافة محور (التضامن المجتمعي) إلى محاور "دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي"، باعتبار القيم الأخلاقية في الاقتصاد الإسلامي، والمكانة العالمية الرائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في العمل الإنساني العالمي.
4.
التأكيد على إنشاء أكاديمية مصرفية إسلامية مقرها دبي تُعنى بتخريج الكوادر المهنية المؤهلة في مجال التمويل والصيرفة الإسلامية.
5.
زيادة البحث العلمي من منظور الاقتصاد الإسلامي للحدّ من الأزمات المالية وتخفيف من تبعاتها والمساهمة في حلها، مع التأكيد على أن الاقتصاد الإسلامي أفضل النظم للوقاية من ظهور مثل هذه الأزمات.
6.
العمل على تدريس الاقتصاد الإسلامي في الجامعات والأكاديميات المتخصصة في العالم الإسلامي، وإقامة شراكات مع الجامعات المحلية والعالمية المهتمة بالتمويل الإسلامي.
7.
الاهتمام بالبحث العلمي بشقيه التنظيري والميداني على المستويين الشرعي والاقتصادي وما يتضمنه من إقامة ورش عمل وعصف ذهني للمتخصصين للوصول إلى حلول وابتكار منتجات وأدوات مالية جديدة.
8.
حث المصارف الإسلامية على وضع سياسات خاصة بالمسؤولية المجتمعية للوصول إلى طرح أدوات تمويلية فعَّالة، مراعية في ذلك رسالتها النابعة من روح التعاون الإسلامي.
9.
أهمية الالتزام بتطبيق المعايير الصادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)، وضرورة استكمال المعايير الشرعية التي لا تزال طور البحث والدراسة، وما يستجد منها.
10.
ضرورة إنشاء مركز للقياس والتقويم المالي الإسلامي تكون مهمته إيجاد أدوات قياسية كالمعادلات أو الأوزان النسبية، يمكن من خلالها تقويم المعاملات المالية الإسلامية وترشيدها.
11.
الدعوة إلى تأسيس مؤسسة تصنيف مالي إسلامي.
12.
الاهتمام بعقد السلم في منتجات المصارف الإسلامية وتوسيع مجالاته في الزراعة والصناعة والتجارة والطاقة وغيرها.
13.
دراسة أنواع الحقوق المالية وغير المالية ومدى جواز المعاوضة عنها بمال.
14.
إنشاء صندوق وقف خيري للتمويل التعاوني والقرض الحسن وثيق الصلة بالمبادئ الشرعية.
15.
الدعوة إلى عقد مؤتمرات لبحث الجانب الفقهي للعقود المستجدة، مثل: عقود الامتياز وعقود الخدمة وعقود المشاركة المشتركة واتفاقيات تقاسم الإنتاج، ونحو ذلك من المستجدات في استثمار المعادن والثروات الطبيعية والتكييف الشرعي لكافة جوانبها.
16.
زيادة تدعيم السياحة العائلية ضمن الضوابط الشرعية، وتشجيع المبادرات الإبداعية في جميع جوانب هذه السياحة.
17.
الدعوة إلى تفعيل شركات التأمين التكافلي الإسلامي وإعادة التأمين، لاستكمال منظومة التأمين الإسلامي وسد النقص الحاصل في بعض جوانبها.
18.
تدعيم الاستثمار الداخلي والخارجي في القطاع الزراعي، مع التنسيق مع مؤسسات التأمين الإسلامي لحماية هذه الاستثمارات.
19.
إنشاء هيئة عالمية للحلال في دبي، وتدعيم صناعة الأغذية الحلال، وجذب الاستثمارات فيها.
20.
تفعيل مخرجات الزكاة في سد حاجات المجتمع، والتأكيد على المبادرة بتوزيع الزكاة على مستحقيها وعدم جواز تأخيرها، وتفعيل زيادة قطاع الإنتاج من خلال تمليك الزكاة للمستحقين الراغبين في المشروعات الحرفية ليتحولوا إلى أفراد كاسبين ومنتجين في المجتمع.
21.
إنشاء سوق للسلع الدولية في دبي لتغطية متطلبات السيولة للمؤسسات المالية الإسلامية لتفادي المحاذير الشرعية في الأسواق الدولية.
22.
العمل على إيجاد مؤسسات للحوكمة الإسلامية، كي تلتزم بها المؤسسات المالية الإسلامية وصولا إلى استثمار وادخار آمنين.

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

ثقافتنا السياسية

يمتاز "السياسي" عن "الثقافي " عادة بأن" السياسي" قصير المدة ومطلبي وآني ومتعلق بالحاجات المباشرة التي تلامس حياة الناس الحاضرة خلافا "للثقافي" الذي يمتاز بعكس ما سلف فهو طويل المدى ولكن هنا يقفز سؤال ملح إذا اردنا من المثقف أن يخوض في المجال السياسي وكأنه يجب أن ينتقل من عالم إلى آخر ويهجر من عالم الهدوء والروية والتركيز والدقة إلى الخوض في كل ما هو متناول ومتداول ولعمري إنها أشبه بالعقوبة وسوء العذاب ويخرج من عالم الاحتمال والبدائل والمآلات إلى الصرامة والحدية ومغادرة الشك إلى اليقين ومن التأمل إلى الهيجان ومن الاستنكاف عن الخوض في الأشخاص إلى مقارفة ذلك ومن عالم الأحكام الصارمة والمعايير العالية إلى السقوط في مهاويها فأنا أذكر جيدا أستاذا جامعيا كان يصف الطلبة ومن ورائهم واقعهم بالمزري والمتخلف رغم أنهم نخبة متميزة أمامه ولما اصبحوا في عداد الشعب الذي يملآ الملعب وهو على رأس حزب يخاطبهم "ايها الشعب العظيم البطل العبقري"فتعجب الجميع كيف كانوا في المدرجات الجامعية متخلفين واصبحوا في مدرجات الملاعب عباقرة فقط لأنهم اصبحوا يصفقون لما يفهمون ولا يفهمون للمعقول ولغير المعقول .
وهكذا اصبحت السياسة دجلا وديماغوجية بغض النظر عن صدق منتحلها وعدم صدقه............يتبع بحول الله

الثلاثاء، 29 مايو 2012

نحو معايير إسلامية للمسؤولية الاجتماعية ح1



-المسؤولية الاجتماعية :تعريفها ولمحة عن تطورها:
المسؤولية الاجتماعية هي الالتزام الطوعي من طرف الفرد أو المؤسسة بمصالح العامة أو دون تدخل من جهات خارجية ولا يبتعد تعريف الموسوعة الحرة عن هذا التعريف حيث تعرفها بأنها نظرية أخلاقية أو أيديولوجية فحواها تحمل المؤسسة أو الفرد أو الشركة أو أي منظمة المسؤولية تجاه المجتمع بصفة عامة وهي ما يقابل لفظة "الوازع" في الاستخدام العربي القديم ولفظة "الالتزام" في العصر الحديث خاصة عند الحركات الإسلامية وفي النقد الأدبي يقولون شاعر ملتزم أي غير منفلت يراعي قيم المجتمع فيما ينتج من نتاجات أدبية،كما إن لها معنيين :مسؤولية سلبية وهي تصرف الشخص تصرفا بشكل ما يجنبه اللوم والعتاب ومسؤولية إيجابية تجلب له المدح ورضا الناس، وقد توسع مجال استخدامها لتشمل كل الحرف والمناشط التي يقوم بها الإنسان في هذا المجتمع بشكل يبعث على الرضا من طرف الجمهور أو الناس بصفة عامة،وتنقسم أيضا من هذه الزاوية إلى قسمين:
مسؤولية اجتماعية عامة:وهي التي يتحملها الفرد تجاه مجتمعه ووطنه وأمته بغض النظر عن العمل الذي يقوم به.
مسؤولية اجتماعية خاصة وهي التي تتعلق بمجال واحد من المجالات وهذه أنواع:
أولا:-مسؤولية اجتماعية للشركات Corporate social responsibility(CSR)،وهذا المصطلح ظهر في الأدبيات الاقتصادية في القرن العشرين إلا أن ممارسته بالشكل الحالي ترجع إلى القرن الثامن عشر ففي سنة 1790 عمد سكان انجلترا إلى مقاطعة استهلاك مادة السكر التي كانت تصدر إليهم من طرف حكومتهم من الهند بتسخير "الرقيق الكاريبي" وكذا البنغالي مما اضطر الشركات التي تقوم بذلك بالاستعاضة عن العبيد بالعمال العاديين،كما قامت شركة كادبيري في سنة 1800 في بريطانيا ببناء سكنات لعمالها وتجهيزها بكل المستلزمات كما بنت مدارس لأبناء عمال تلك الشركة ثم حذت حذوها شركات أخرى كشركة"طاطا" المعروفة وشركة "جيناس" الإيرلندي وشركة "هيرشي" في الولايات المتحدة[1] ،ومن هنا بدأ تطور هذا الأمر حتى دخل في مرحلة أخرى وهي مرحلة ظهور كثرة الإلزامات خارج القانون حيث أصبحت الأخلاق والدين والسمعة تلعب دورا كبيرا في حمل الشركات على تقديم الخدمات المختلفة وتمويل أنشطة كثيرة تعود فائدتها المباشرة للمجتمع[2]،ثم تحددت معايير قياس مدى المسؤولية الاجتماعية بالنظر إلى ثلاث قضايا وهي:
1-المعاملة الأخلاقية للعمال أي مراعاة الجانب الأخلاقي في اتخاذ القرارات التي تتعلق بأحوال العمال بحيث تكون شفافة وعادلة ليس لأنها أمر يوجبه القانون وإنما لأنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله[3].
2-العمل الخيري Philanthropy وهذا هو المعيار الثاني ومعناه البسيط هو مشاركة الناس والمجتمع في الثروة التي تجنيها الشركة أو المنشأة.
3-الشراكة الاجتماعية وهي تصور أن ما تقوم به الشركة هو في الحقيقة تحقيق لبعض ما تطمح وتصبو إليه الطبقة الأقل حظا والأقل قوة في المجتمع[4].
ثم استمر المنظرون في إضافة المعايير تباعا حتى وصلت إلى عشرة معايير إلا أن هذه المعايير الثلاثة لم تكن أمورا مبدئية مقصودة في ذاتها وإنما كانت نوعا من الخروج على المألوف والمعتاد وتشكل استثناء إذ أن الجموح نحو الربح لم يجعل لهذا المعنى مجالا في مخيلة رجال الأعمال إلا في مراحل متأخرة ومن ثم تبلور مفهوم المسؤولية الاجتماعية وبدأت تظهر مؤسسات وتشريعات وسياسات من أجل تطويره وتدعيمه.
ثانيا:مسؤولية اجتماعية بيئية:وهذه تستخدم حديثا وقد فرضت من طرف أحزاب أو أنصار البيئة وأصبحت البيئة قرينة بالمجتمع في الاستخدام وتسمى اختصاراCSER كما ورد في تقرير المعهد الألماني للتنمية.
ثالثا:المسؤولية الاجتماعية للأعمال والتجارةCRBوهي تطلق ويقصد بها مجموع الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها ويلتزم بها مديرو وممارسوا الأعمال.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية:
 المسؤولية الاجتماعية هو مفهوم تبلور بخصوص  المنظمات التي تشجع على النظر في مصالح المجتمع من خلال تحمل المسؤولية عن تأثير أنشطه المنظمة على الزبائن والموظفين والمساهمين والمجتمعات والبيئة في جميع جوانب عملياتهاهذا الالتزام يعتبر التزامات قانونيه ملزمة بالامتثال لأحكام التشريعات وترى المنظمات طوعا اتخاذ المزيد من الخطوات لتحسين نوعية الحياة للعاملين وأسرهم فضلا عن المجتمع المحلي والمجتمع ككل. وهي المشاركة المنظمة والمستدامة من الشركات في التنمية والتطوير الشامل للمجتمعات في مسارات متعددة وبجهد متساو قدر الإمكان[5].
المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، والمعروفة أيضا بمسؤولية الشركات، ومواطنة الشركات، العمل المسؤول، العمل المسؤول المستمر (SRB)، أو أداء المؤسسات الاجتماعية،  المسؤولية الاجتماعية والبيئية وهو شكل من أشكال انفتاح الشركات على المجتمع بشكل انتظامي تم إدماجها في نموذج الأعمال التجارية. ومن الناحية المثالية، فإن سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركات تعد بمثابة آلية للتنظيم الذاتي التي يمكن من خلالها العمل الذي من شأنه رصد وضمان التزامها بالقانون والمعايير الأخلاقية والدولية و القواعد المتعارف عليها. ورجال الأعمال من شأنهم تبني المسؤولية عن طريق تأثير أنشطتهم على البيئة والمستهلكين والعاملين، والمجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة وجميع الأعضاء الآخرين في المجال العام. وعلاوة على ذلك، فإن الأعمال تكون مبادرات لتعزيز المصلحة العامة  وذلك عن طريق تشجيع نمو وتطور المجتمع طوعا للقضاء على الممارسات التي تضر بالمجتمع العام  كالبيئة والصحة وسواها ، بغض النظر عن شرعيتها من عدمها[6].
كما تذهب المفوضية الأوربية بأن المسؤولية الاجتماعية :"مفهوم تقوم في ضوئه الشركات والمؤسسات بإدماج الاهتمام بالمجتمع والبيئة ضمن عملياتها ووظائفها التجارية في تعاملها مع المتعاونين معها وزبائنها على أساس طوعي"[7] ،
كما يذهب الأكاديميون إلى أنها:"العمليات التي تقوم بها المنشآت لمصلحة المجتمع متجاوزة السقف القانوني وبعيدا عن اعتبار مصلحة المنشأة المحضة بالدرجة الأولى دائما"[8] ،كما يؤكد هذا المفهوم  الدكتور هاني الجبير مشيرا على دورها ووظيفتها بقوله:" إسهام رجال الأعمال في الأعمال الاجتماعية والتطوعية والقيام بدور بارز حيال رعاية المجتمع بأفراده وبيئته، وكان انطلاق ذلك من دعوات وجَّهها الأمين العام للأمم المتحدة، لتقوم قِطاعات الأعمال بدورها في مجالات حقوق الإنسان والعمل والبيئة؛ لتكون جزءاً من الحل في مواجهة تحديات العولمة[9]."

وبناء على ما سبق فالالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يقضي بأن أي منشأة يجب أن لا تكتفي باستغلال الموارد المتاحة لها بما يخدم أهدافها الاقتصادية فقط، بل إن مسؤوليتها تمتد إلى مواجهة المتطلبات الاجتماعية، والتي تؤدي لاكتساب ثقة الجمهور ورضا المستهلكين، وهو ما يساعد في خدمة أهداف المنشأة الاقتصادية[10].
هذا هو مفهوم المسؤولية الاجتماعية كما هو مطور في الفكر الغربي السائد حاليا سواء من حيث التعريف أو الدور والوظيفة والتطور التاريخي  الموجز بما يمكننا من تصوره تصورا يجعلنا نقوم بنقده وإضافة مايجب إضافته حتى يكتمل المفهوم خاصة ونحن نملك الوحي مصدرا للمعرفة المعيارية بما يتيح للمفهوم أن يكون فعالا عندما ينقل إلى بيئتنا الثقافية الإسلامية في جذورها وعمومها على حد سواء.


[1] -ISO Advisory Group on Social Responsibility: working report on social responsibility ,p2.
[2] -Ibid.p2                                       
[3] -ibid
[4] -Ibid
[5] -هذا التعريف أوردته الموسوعة الحرة http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%
[6] -المرجع السابق
[7] -European Commission: 2001 “Promoting a European framework for corporate social responsibility”. Green Paper, 264 Final, Brussels, Belgium.
[8] -McWilliams, A. and Siegel, D.: 2001, “Corporate social responsibility: A theory of the firm perspective”, Academy of Management Review,p 26.
[9] -هاني بن عبد الله الجبير:المسؤولية الاجتماعية للشركات في المفهوم الإسلامي  على http://www.4mukla.com/vb/t85943.html.
[10] -المرجع السابق.

السبت، 5 مايو 2012

الحلقة السادسة:تاصيل قيمة التسامح عند ابن عاشور


لقد طور السياسيون بعد الحرب العالمية الثانية "مفهوم التعايش السلمي" ويقصدون به تعاون الدول في تحقيق مصالحها  دون اللجوء إلى العدوان على بعضها ولكن بمرور الزمن تعقدت المصالح وتغيرت نظم القيم السياسية والثقافية وحدثت حوادث فرضت على الناس إعادة النقاش من جديد حول هذه القيمة ومن تلك الحوادث سقوط المعسكر الشرقي وبعدها ظهر ما يسمى"صدام الحضارات" وبدأ النقاش من جديد حول قيم الحوار والتعايش والتعاون والتسامح وأخذ أبعادا وأشكالا كثيرة منها التسامح بين الأديان والثقافات محاولة تفكيك مقولة "الصدام" وتجنيب العالم ويلاتها وشرورها إلا أن الهجمة على الإسلام لم تكن وليدة القرن الماضي وإنما هي ممتدة عبر العصور ومن أشكال تلك الهجمات الطعن في مفاهيم الإسلام من خلال ملاحظة بعض المفارقات في التاريخ والواقع الإسلاميين والشيخ بن عاشور كان يدرك هذا بل وعاش ردحا من الزمن تحت الاستعمار القاهر المستبد السالب لكل حقوق الناس ويدعي التسامح ويتهم غيره بمجانبته والشيخ بتناوله لهذا المفهوم كان الغرض هو دحض هذه الشبهة والدفاع عن الإسلام ويصرح بالغرض قائلا:" أريد بالتسامح في هذا البحث إبداء السماحة للمخالفين للمسلمين بالدين "[1] وكعادة الشيخ ابن عاشور أن يعيد القيم إلى أصل الفطرة ولكن المبدأ القرآني حاضر بنصه فليس ثمّة أبلغ وأوفى بالقصد من الآية الكريمة " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم "، في الدلالة على عمق مبدأ التسامح في الإسلام. ذلك أن المساحة المشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب مساحة واسعة، وقد جعل الإسلام في قلوب المسلمين متسعاً للتعايش مع بني الإنسان كافّة.
ويعرف الشيخ بن عاشور التسامح بقوله:"التسامح في اللغة مصدر سامحه إذا أبدى له السماحة القوية؛لأن صيغة التفاعل هنا ليس فيها جانبان فيتعين أن يكون المراد بها المبالغة في الفعل مثل :عافاك الله"[2]، ومن أبرز مظاهر التعايش الذي ساد الحضارة الإسلامية عبر العصور، أن الإسلام يعتبر اليهود والنصارى أهلَ ديانةٍ سماويةٍ حتى وإن لم يكن هذا الاعتبار متبادلاً ،بل ويقرن الله عز وجل بين التسامح والإيمان ففي القرآن الكريم الذي هو خزان القيم  يصف الله المؤمنين المتقّين بالتسامح والمسالمة في قوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً"(الفرقان:62). وكيف لا والإسلام يُؤثر السلّم على الحرب ، ويدعو إلى المثل الأعلى في جميع المعاملات ، قال تعالى : "وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "(فصلت: 34).
ولهذا ربى الله عز وجل المسلمين على هذه القيمة وجعلها المظهر الحقيقي للتدين والتمسك بالدين وهذا ما لاحظه الشيخ بن عاشور فيقول:" السماحة هي سهولة المعاملة في اعتدال، فهي وسط بين التضييق والتساهل. وهي راجعة إلى معنى الاعتدال والعدل والتوسط. ذلك المعنى الذي نوّه به أساطين حكمائنا الذين عنوا بتوصيف أحوال النفوس والعقول، فاضلها ودنيَّها وانتساب بعضها من بعض. فقد اتفقوا على أن قوام الصفات الفاضلة هو الاعتدال "[3]. ثم يقول:" إن حكمة السماحة في الشريعة أن الله جعل هذه الشريعة دين فطرة، وأمور الفطرة راجعة إلى الجبلة، فهي كائنة في النفوس سهل عليها قبولها. ومن الفطرة النفور من الشدة والإعنات"[4].وكم يحزن المسلم عندما يقرأ أن المسلمين في عصر الضعف والتخلف حولوا الإسلام إلى محاكم للتفتيش وأداة للاستبداد والقهر والتجبر على الآخر المخالف في الدين وظنوا أن الإسلام طقوس عبادية أو أشكال معاملاتية  ميتة وحتى نازية في بعض الأحيان وإن كان الأمر ردة فعل على الهجمات الاستعمارية على بلادنا أو إهانة لإخوانهم في مكان ما[5] وإن كان هذا الأمر فإن هذه مفارقة بين الإسلام وواقع المسلمين والإسلام ذاته أصبح غريبا في دياره يقول الشيخ بن عاشور :"إن التسامح من خصائص الإسلام وهو أشهر ميزاته وإنه من النعم التي أنعم بها على أضداده وأعدائه وأدل حجة على رحمة الرسالة الإسلامية...وقد أسس لذلك أسسا راسخة وعقد له مواثيق متينة وقواعد ومنها[6]:

1-القاعدة الأولى:القاعدة الفكرية النفسية:ومفادها "أن القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبات يعلم المسلمين أن الاختلاف ضروري في جبلة البشر وأنه من طبع اختلاف المدارك وتفاوت العقول في الاستقامة، وهذا المبدأ إذا تخلق به المرء أصبح ينظر إلى الاختلاف نظره إلى تفكير جبلي تتفاوت فيه المدارك إصابة وخطئا "[7].
2-القاعدة الثانية:الأساس الخلقي:وهي تحويل النظر عن الأمر العدواني المثير للغضب قال تعالى:"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"(هود:118).
3-امتصاص التعصب:وسميناه امتصاص لأن الشيخ قال :" إن التسامح في الإسلام وليد إصلاح التفكير ومكارم الأخلاق اللذين هما من أصول النظام الاجتماعي في الإسلام"[8].هذه المقدمة الأولى أما المقدمة الثاني فهي"أن التسامح يظهر مفعوله في المواقع التي هي مظنة ظهور ضده،أعني التعصب،وقد كان للتعصب في الدين مظهران:
ا-النوع الأول وهو أقواها:المعاملات التي تعرض عند الانفعالات الناشئة عن التخالف الديني وضرب الشيخ مثالين من الهند بين المسلمين وما وقع في غزوة أحد بين المسلمين والمشركين وهو ما يسمى "صراع الرموز".
2-والنوع الثاني في المعاملات الدنيوية ...مثل ما عرض للمسلمين واليهود في المدينة[9].
وقد أصاب الشيخ هنا إذ أن الحضارة الإسلامية لم تشهد عبر تاريخها التطهير العرقي ولا الديني ومثال الأول في الغرب ما فعله الفرنسيس الغال  بالكورسكيين والأسبان من كاتالونيا بالباسك والتطهير الديني كما فعله الصرب بالبوسنيين والكرواتيين وبخذنصر باليهود في السبي البابلي المشهور والأوربيين باليهود فيما يسمى ب"معاداة السامية".
القاعدة الثالثة:القاعدة القانونية
يقول ابن عاشور :"لم يحفظ التاريخ أن أمة سوت رعاياها المخالفين لها في دينها برعاياها الأصليين في شأن قوانين العدالة ونوال حظوظ الحياة بقاعدة"لهم مالنا وعليهم ما علينا" مع تخويلهم البقاء على رسومهم وعاداتهم مثل أمة الإسلام فحقيق بهذا الذي نسميه تسامحا أن نسميه "العظمة الإسلامية"[10].
 لقد أسس الإسلام للتسامح أسسا راسخة وعقد له مواثيق متينة وفصل فصلا مبينا بين واجب المسلمين بعضهم مع بعض في تضامنهم وتوادهم من جهة، ما يجعل ما يجمعهم من الجامعة الإسلامية، وبين حسن معاملتهم مع من تقتضي الأحوال مخالطتهم من أهل الملل الأخرى، وقاعدة هذه الأسس هي القاعدة الفكرية النفسية، وتلك هي القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبات يعلم المسلمين أن الاختلاف ضروري في جبلة البشر وأنه من طبع اختلاف المدارك،
"فالإسلام دعا الناس إلى الوحدة في دين الفطرة وأراهم محاسنها، ولكنه لم يدْع أتباعه إلى مناوأة من أعرض عن الدخول في تلك الوحدة واختار لنفسه الحالة الناقصة، وبقية أسس التسامح حاصلة بوصايا الإسلام بحسن معاملة المخالفين في الدين ليهذب من الإحساس الذي ينشأ عن المخالفة حتى لا يتجاوز اعتقاد المسلم كمال حاله إلى أن يكون عدواًّ وحنيقاً وبغيضا لأهل الأديان من جهة المخالفة في الدين "[11].



[1] -ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي، ص213.
[2] -المرجع السابق ص213، وهذا فيه رد على ادعاءات أودونيس في أكثر من مناسبة أن التسامح هو تصنع السماحة بما يوحي أن المسلمين ينافقون في إبداء السماحة وأنها ليست أصلا في سلوكهم ولا في دينهم وإنما هي تقية من المغلوب خوفا من بطش الغالب.
[3] -ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ج3ص188.
[4] -المرجع السابق ج3 ص192-193.
[5] -في رسالة للدكتوراه بعنوان"الانحرافات الفكرية والعقدية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر"يذكر صاحبها علي بن بخيت الزهراني أن في الشام كان هناك طريقان في دمشق طريق المسلمين وطريق دونه للمسيحيين والحيوانات وهذا بسبب اشتداد الإرساليات الغربية التبشيرية وإحساس المسلمين بالخطر من جهة والضعف العلمي والأدبي والمادي لدى المسلمين من جهة أخرى.
[6] -المرجع السابق ص216.
[7] -المرجع السابق ص216-217.
[8] -المرجع السابق ص215.
[9] -المرجع السابق ص217.
[10] المرجع السابق ص219.
[11] -المرجع السابق ص217.